للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك يقدرون قيمة الكلمة، وقيمة الأمنية، وقيمة الوعد، في ضوء الواقع الثقيل! ثم يعلمهم أن الكلمات الطائرة، والأمانيّ المرفرفة ليست هي التي تبلغهم الجنّة، إنما هو تحقيق الكلمة، وتحسيم الأمنية، والجهاد الحقيقي، والصبر على المعاناة، حتى يعلم الله منهم ذلك كله واقعاً كائناً في دنيا الناس!

ولقد كان الله سبحانه قادراً على أن يمنح النصر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولدعوته ولدينه ولمنهجه منذ اللحظة الأولى، وبلا كدّ من المؤمنين ولا عناء .. وكان قادرًا على أن ينزل الملائكة تقاتل معهم دائماً -أو بدونهم- وتدمرّ المشركين، كما دمرّت على عاد وثمود وقوم لوط!

ولكن المسألة ليست هي النصر .. إنما هي تربية الجماعة المسلمة، التي تعدّ لتتسلّم قيادة البشريّة .. البشريّة بكل ضعفها ونقصها، وبكل شهواتها ونزاوتها، وبكل جاهليّتها وانحرافها .. وقيادتها قيادة راشدة تقتضي استعداداً عالياً من القادة .. وأول ما تقتضيه صلابة في الخلق، وثبات على الحق، وصبر على المعاناة .. ومعرفة بمواطن الضعف ومواطن القوّة في النفس البشريّة، وخبرة بمواطن الزلل ودواعي الانحراف، ووسائل العلاج .. ثم صبر على الرخاء كالصبر على الشدّة .. وصبر على الشدّة بعد الرخاء، وطعمها يومئذ لاذع مرير!

وهذه التربية هي التي يأخذ الله بها الجماعة المسلمة، حين يأذن بتسليمها مقاليد القيادة، ليعدّها بهذه التربية للدور العظيم الهائل الشاق، الذي ينوطه بها في هذه الأرض .. وقد شاء سبحانه أن يجعل هذا الدور من نصيب (الإنسان) الذي استخلفه في هذا الملك العريض!

<<  <  ج: ص:  >  >>