إن لكل نفس كتاباً مؤجّلاً إلى أجل مرسوم .. ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم، فالخوف والهلع، والحرص والتخلّف، لا تطيل آجلاً، والشجاعة والثبات، والإقدام والوفاء، لا تقصر عمراً، فلا كان الجن، ولا نامت أعين الجبناء، والأجل المكتوب لا ينقص منه ولا يزيد!
بذلك تستقرّ حقيقة الأجل في النفس، فتترك الاشتغال به، ولا تجعله في الحساب .. وهي تفكّر في الأداء والوفاء بالالتزامات والتكاليف الإيمانيّة .. وبذلك تنطلق من عقال الشحّ والحرص، كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع، وبذلك تستقيم على الطريق بكل تكاليفه وبكل التزاماته، في صبر وطمأنينة، وتوكّل على الله الذي يملك الآجال وحده!
ثم ينتقل بالنفس خطوة وراء هذه القضيّة التي حسم فيها القول .. فإنه إذا كان العمر مكتوباً، والأجل مرسوماً .. فلتنظر نفسر ما قدّمت لغد؟ ولتنظر نفس ماذا تريد؟ أتريد أن تقعد عن تكاليف الإيمان، وأن تحصر همّها كله في هذه الأرض، وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها؟ أم تريد أن تتطلّع إلى أفق أعلى، وإلى اهتمامات أرفع، وإلى حياة أكبر من هذه الحياة؟ .. مع تساوي هذا الهمّ وذاك فيما يختصّ بالعمر والحياة:{وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}!
وشتّان بين حياة وحياة! وشتان بين اهتمام واهتمام! -مع اتحاد النتيجة بالقياس إلى العمر والأجل- والذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثواب الدنيا وحدها .. إنما يحيى حياة الديدان والدوابّ والأنعام! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب! والذي يتطلّع إلى الأفق الآخر .. إنما يحيا حياة الإنسان الذي كرّمه الله واستخلفه، وأفرده بهذا المكان ثم يموت في