الآية الأولى تشير إلى واقعة معيّنة، حدثت في (غزوة أحد) كما سيأتي، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - رسول من عند الله، جاء ليبلغ كلمة الله، والله باق لا يموت، وكلمته باقية لا تموت، وما ينبغي أن يرتدّ المؤمنون على أعقابهم إذا مات النبي الذي جاء ليبلغهم هذه الكلمة أو قتل .. وهذه كذلك حقيقة أوّلية بسيطة غفلوا عنها في زحمة الهول، وما ينبغي للمؤمنين أن يغفلوا عن هذه الحقيقة الأوّلية البسيطة!
إن البشر إلى فناء، والعقيدة إلى بقاء، ومنهج الله للحياة مستقلّ في ذاته عن الذين يحملونه ويؤدّونه إلى الناس، من الرسل والدعاة على مدار التاريخ .. والمسلم هو الذي يحبّ رسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان أصحابه - صلى الله عليه وسلم - يحبّونه الحبّ الذي لم تعرف له النفس البشريّة في تاريخها كله نظيراً .. الحبّ الذي يفدونه معه بحياتهم أن تشوكه شوكة .. ومن ثم هذا الاستنكار، وهذا التهديد، وهذا البيان المثير: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)}!
ويلمس القرآن مكمن الخوف من الموت في النفس البشريّة، لمسةً موحيةً، تطرد ذلك الخوف، عن طريق بيان الحقيقة الثابتة في شأن الموت وشأن الحياة، وما بعد الحياة والموت من حكمة لله وتدبير، ومن ابتلاء للعباد وجزاء: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)}!