للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبغي ألا يقف عند الابتلاء الأول .. فإن كثرة بني إسرائيل هؤلاء قد تولّوا بمجرّد أن كتب عليهم القتال استجابة لطلبهم، ولم تبق إلا قلّة مستمسكة بعهدها مع نبيّها، وهم الجنود الذين خرجوا مع (طالوت) بعد الحجاج والجدال حول جدارته بالملك والقيادة، ووقوع علامة الله باختياره لهم، ورجعة تابوتهم وفيه مخلفات أنبيائهم تحمله الملائكة ... ! ومع هذا فقد سقطت كثرة هؤلاء الجنود في المرحلة الأولى، وضعفوا أمام الامتحان الأوّل الذي أقامه لهم قائدهم:

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)} (البقرة)!

وهذا القليل لم يثبت كذلك إلى النهاية، فأمام الهول الحيّ، أمام كثرة الأعداء وقوّتهم، تهاوت العزائم، وزلزلت القلوب: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}!

وأمام هذا التخاذل ثبتت الفئة القليلة المختارة .. اعتصمت بالله ووثقت، وقالت: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)}!

وهذه هي التي رجحت الكفّة، وتلقّت النصر، واستحقّت العزّ والتمكين!

وفي ثنايا هذه التجربة تكمن عبرة القيادة الحازمة المؤمنة .. وكلها واضحة في قيادة طالوت، تبرز منها خبرته بالنفوس، وعدم اغتراره بالحماسة الظاهرة، وعدم اكتفائه بالتجربة الأولى، ومحاولته اختبار الطاعة والعزيمة في نفوس

<<  <  ج: ص:  >  >>