ويؤكد النص هذه الحقيقة:{بِإِذْنِ اللَّهِ}! ليعلمها المؤمنون أو ليزدادوا بها علماً، وليتضح التصوّر الكامل لحقيقة ما يجرى في هذا الكون ولطبيعة القوّة التي تجريه!
إن المؤمنين ستار القدرة، يفعل الله بهم ما يريد، وينفذ بهم ما يختار .. بإذنه .. ليس لهم من الأمر شيء، ولا حول لهم ولا قوة، ولكن الله يختارهم لتنفيذ مشيئته، فيكون منهم ما يريده بإذنه .. وهي حقيقة خليقة بأن تملأ قلب المؤمن بالسلام والطمأنينة واليقين .. إنه عبد الله، اختاره الله لدوره، وهذه منّة من الله وفضل .. وهو يؤدي هذا الدور المختار، ويحقّق قدر الله النافذ، ثم يكرمه الله -بعد كرامة الاختيار- بفضل الثواب .. ولولا فضل الله ما فعل، ولولا فضل الله ما أثيب .. ثم إنه يستيقن من نبل الغاية. وطهارة القصد، ونظافة الطريق .. فليس له في شيء من هذا كله أرب ذاتي .. إنما هو منفذ لمشيئة الله الخيرة، قائم بما يريد .. استحق هذا كله بالنيّة الطيّبة، والعزم على الطاعة، والتوجّه إلى الله في خلوته!
ويبرز السياق دور داود:{وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}!
وداود كان فتى صغيراً من بني إسرائيل، وجالوت كان ملكاً قويًّا وقائداً مخوفاً .. ولكن شاء الله أن يرى القوم وقتذاك أن الأمور لا تجري بظواهرها، إنما تجري بحقائقها، وحقائقها يعلمها هو، ومقاديرها في يده وحده، فليس عليهم إلا أن ينهضوا هم بواجبهم، ويفوا الله بعهدهم .. ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده. وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبّار الغشوم على يد هذا الفتى الصغير، ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم!