وكانت هنالك حكمة أخرى مغيّبة يريدها الله. فلقد قرر أن يكون داود هو الذي يتسلّم الملك بعد طالوت، ويرثه ابنه سليمان، فيكون عهده هو العهد الذهبي لبني إسرائيل في تاريخهم الطويل، جزاء انتفاضة العقيدة في نفوسهم بعد الضلال والانتكاس والشرود:{وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}!
وكان داود ملكاً نبيًّا، وعلّمه الله صناعة الزرد وعدّة الحرب، مما يفصله القرآن في مواضعه في سور أخرى!
ويتجّه السياق إلى هدف آخر من وراء القصة جميعاً .. وحين ينتهي إلى هذه الخاتمة، ويعلن النصر الأخير للعقيدة الواثقة، لا للقوة الماديّة، وللإرادة المستعلية، لا للكثرة العدديّة .. حينئذ يعلن عن الغاية العليا من اصطراع تلك القوى .. إنها ليست المغانم والأسلاب، وليست الأمجاد والهالات .. إنما هو الصلاح في الأرض، وإنما هو التمكين للخير باندحار الشر:
وهنا تتوارى الأشخاص والأحداث، لتبرز من خلال النص القصير حكمة الله العليا في الأرض، من اصطراع القوى، وتنافس الطاقات، وانطلاق السعي في تيّار الحياة المتدفّق الصاخب الموّار .. وتتكشف على مدّ البصر ساحة الحياة المترامية لأطراف تموج بالناس، في تداقع وتسابق وزحام إلى الغايات .. ومن ورائها جميعاً تلك اليد الحكيمة المدبّرة تمسك بالخيوط جميعاً، وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق، إلى الخير والصلاح والنماء، في نهاية المطاف!