للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض، ولم يظلم في الناس، فهو من ثم يستحق الاستخلاف، ويناله باستحقاق!

وهكذا تلتقي القوّة الصغيرة الهزيلة -قوّة الطغاة البغاة العتاة الظالمين- بالقوّة الجبّارة الطامة -قوّة الجبّار المهيمن المتكبّر- ووقف الطغاة البغاة العتاة بقوّتهم الهزيلة الضئيلة في صفّ، ووقف الرسل الداعون المتواضعون، ومعهم قوّة الله سبحانه في صف، ودعا كلاهما بالنّصر والفتح .. وكانت العاقبة كما يجب أن تكون: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)} (إبراهيم)!

والمشهد هنا عجيب .. إنه مشهد الخيبة لكل جبّار عنيد .. مشهد الخيبة في هذه الأرض .. ولكنه يقف هذا الموقف، ومن ورائه تخايل جهنّم وصورته فيها، وهو يُسقى من الصديد السائل من الجسوم، يسقاه بعنف فيتجرّعه غصباً وكرهاً، ولا يكاد يسيغه، لقذارته ومراراته، والتقزّز والتكرّه باديان نكاد نلمحهما من خلال الكلمات! ويأتيه الموت بأسبابه المحيطة به من كل مكان، ولكنه لا يموت، ليستكمل عذابه: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)}!

إنه مشهد عجيب، يرسم الجبّار الخائب ووراءه مصيره يخايل له على هذا النحو المروعّ الفظيع، وتشترك كلمة {غَلِيظٌ}! في تقطيع المشهد، تنسيقاً له مع القوّة الغاشمة التي كانوا يهدّدون بها دعاة الحق والخير والصلاح واليقين!

<<  <  ج: ص:  >  >>