للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم ناس لا يدركون الطبيعة العنصريّة للمجتمع الجاهلي، هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع، ولحساب منهجه وتصوره .. لذلك يرفض الرسل الكرام أن يعودوا في ملّة قومهم بعد إذ نجّاهم الله منها .. وهنا تتدخل القوّة الكبرى فتضرب ضربتها المدمّرة القاضية، التي لا تقف لها قوّة البشر المهازيل، وتضرب الطغاة البغاة العتاة المتجبّرين: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤)} (إبراهيم)!

ولابدّ أن ندرك أن تدخّل القوّة الكبرى للفصل بين الرسل وقومهم إنما يكون دائماً بعد مفاصلة الرسل لقومهم .. بعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى ملّة قومهم بعد إذ نجّاهم الله منها .. عندئذ تتدخّل القوّة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة، ولتدمّر على الطواغيت الذين يتهدّدون المؤمنين، ولتمكّن للمؤمنين في الأرض ولتحقّق وعد الله لرسله بالنّصر والتمكين: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣)}!

ونون العظمة ونون التوكيد .. كلتاهما ذات ظل في هذا الموقف الشديد .. لنهلكنّ المتجبّرين المهدّدين، والمشركين الظالمين لأنفسهم وللحق وللرسل وللناس بهذا التهديد: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ}!

لا محاباة ولا جزافاً، إنما هي السنّة الجارية العادلة: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤)}!

ذلك الإسكان والاستخلاف لمن خاف مقامي، فلم يتطاول، ولم يستكبر، ولم يتجبّر، وخاف وعيد، فحسب حسابه، واتقى أسبابه، فلم يفسد في

<<  <  ج: ص:  >  >>