للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنصبرن، لا نتزحزح ولا نضعف، ولا نتراجع ولا نهن، ولا نتزعزع ولا نشك ولا نفرط ولا نحيد: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)}!

وهنا يسفر الطغيان عن وجهه، لا يجادل ولا يناقش، ولا يفكّر ولا يتعقّل، لأنه يحسّ بهزيمته أمام انتصار العقيدة، فيسفر بالقوة الماديّة الغليظة التي لا يملك المتجبّرون غيرها: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣)} (إبراهيم).

هنا تتجلّى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإِسلام والجاهليّة .. إن الجاهليّة لا ترضى من الإِسلام أن يكون له كيان مستقل عنها .. ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها!

ولذلك لا يرغب الذين كفروا من رسلهم في مجرّد الكفّ عن دعوتهم، ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملّتهم الباطلة، وأن يندمجوا في تجمّعهم الجاهليّ، وأن يذوبوا في مجتمعهم، فلا يبقى لهم كيان مستقل .. وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدّين لأهله، وما يرفضه الرسل من ثمَّ ويأبونه، فلا ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهليّ مرّة أخرى بعد إذ هداه الله للإسلام!

وعندما تسفر القوّة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة، ولا يبقى مجال لحجة، ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهليّة!

إن التجمّع الجاهليّ -بطبيعة تركيبه العضوي- لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمّع الجاهليّ، ولتوطيد جاهليّته! والذين يخيّل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرّب في المجتمع الجاهليّ، والتميّع في تشكيلاته وأجهزته

<<  <  ج: ص:  >  >>