للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يرتكن إلا إلى حماه .. ويواجه المؤمنون الطغيان بالإيمان، والأذى بالثبات، ويسألون للتقرير والتوكيد: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}!

إنها كلمة المطمئن إلى موقفه وطريقه، المالئ يديه من وليّه وناصره، المؤمن بأن الله يهدي السبيل لابدَّ أن ينصر وأن يعين .. وماذا يهمّ حتى لو لم يتمّ في الحياة الدنيا نصر إذا كان العبد قد ضمن هداية السبيل؟

والقلب الذي يستشعر أن يد الله سبحانه تقود خطاه، وتهديه السبيل، هو قلب موصول بالله، لا يخطئ الشعور بوجوده سبحانه، وألوهيّته القاهرة المسيطرة، وهو شعور لا مجال معه للتردّد في المضيّ في الطريق، أيًّا كانت العقبات في الطريق، وأيًّا كانت قوى الطاغوت التي تتربّص في هذا الطريق .. ومن ثم هذا الربط في ردّ الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، بين شعورهم بهداية الله لهم وبين توكّلهم عليه في مواجهة التهديد السافر من الطواغيت، ثم إصرارهم على المضيّ في طريقهم في وجه هذا التهديد!

وهذه الحقيقة -حقيقة الارتباط في قلب المؤمن بين شعوره بهداية الله بديهية التوكّل عليه- لا تستشعرها إلا القلوب التي تزاول الحركة فعلاً في مواجهة طاغوت الجاهليّة، والتي تستشعر في أعماقها يد الله سبحانه، وهي تفتح لها كُوى النور فتبصر الآفاق المشرقة، وتستروح أنسام الإيمان والمعرفة، وتحسّ الإنس والقربى .. وحينئذ لا تحفل بما يتوعّدها به طواغيت الأرض، ولا تستجيب للإغراء ولا للتهديد، وهي تحتقر طواغيت الأرض وما في أيديهم من وسائل البطش والتنكيل .. وماذا يخاف القلب الموصول بالله على هذا النحو؟ وماذا يخيفه من أولئك العبيد؟! {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}!

<<  <  ج: ص:  >  >>