للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما لهذا المكر من أثر، وما يعوق تحقيق وعد الله لرسله بالنصر، وأخذ الماكر أخذ عزيز مقتدر: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧)}!

لا يدع الظالم يفلت، ولا يدع الماكر ينجو .. وكلمة الانتقام هنا تلقي الظلّ المناسب للظلم والمكر، فالظالم الماكر يستحق الانتقام، وهو من الله تعالى يعني تعذيبهم جزاء ظلمهم وجزاء مكرهم، تحقيقاً لعدل الله في الجزاء، وسيكون ذلك لا محالة: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}!

ولا ندري نحن كيف يتمّ هذا، ولا طبيعة الأرض الجديدة، وطبيعة السماوات، ولا مكانها، ولكن النصّ يلقي ظلال القدرة التي تبدّل الأرض وتبدّل السماوات، وفي مقابل ذلك المكر الذي مهما اشتدّ فهو ضئيل عاجز حسير! وفجأة ترى ذلك قد تحقّق: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)}!

وأحسّوا أنهم مكشوفون لا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق .. ليسوا في دورهم، وليسوا في قبورهم .. إنما هم في العراء أمام الواحد القهّار .. ولفظة {الْقَهَّارِ} هنا تشترك في ظلّ التهديد بالقوّة القاهرة التي لا يقف لها كيد الجبابرة، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال!

ثم ها نحن أولاء أمام مشهد من مشاهد العذاب العنيف القاسي المذل، يناسب ذلك المكر وذلك الجبروت: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ}!

فمشهد المجرمين: اثنين اثنين مقرونين في الوثاق، يمرّون صفًّا وراء، صفٍّ .. مشهد مذلّ دالّ كذلك على قدرة القهّار .. ويضاف إلى قرنهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>