للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلمة الأخيرة -سواء عرف المكلّف حكمتها أم لم تتّضح له- والتصوّر الذي لم تتّضح معالمه بعد، ليعرف المؤمن مهمة هذا الدّين في الأرض، ومهمته -شأن المؤمن- بوصفه قدراً من أقدار الله، ينفذ الله به ما يشاؤه في هذه الحياة .. لا جرم أنه ينشأ عنه مثل هذا الوقف، الذي يصوّره السياق القرآنيّ هذا التّصوير، ويعجّب منه هذا التعجيب! وينفر منه هذا التنفير!

أمّا لماذا لم يأذن الله للمسلمين -في مكّة- بالانتصار من الظلم، والردّ على العدوان، ودفع الأذى بالقوّة .. وكثير منهم كان يملك هذا، حيث لم يكن ضعيفاً ولا مستضعفاً، ولم يكن عاجزاً عن ردّ الصاع صاعين .. مهما يكن المسلمون في ذلك الوقت قلّة!

أمّا حكمة هذا، والأمر بالكفّ عن القتال، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والصبر والاحتمال .. حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب مالا يطاق، وبعضهم يتجاوز العذاب طاقته -كما أسلفنا- وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيستشهد تحت وطأته!

أمّا حكمة هذا فلسنا في حلّ من الجزم بها؛ لأننا حينئذ نتألّى على الله ما لم يبين لنا من حكمة، ونفرض على أوامره أسباباً وعللاً، قد تكون هي الأسباب والعلل الحقيقيّة، أو لا تكون، ولكن وراءها أسباباً وعللاً أخرى لم يكشف لنا عنها، ويعلم سبحانه أن فيها الخير والمصلحة .. وهذا هو شأن المؤمن أمام أيّ تكليف، أو أيّ حكم في شريعة الله -لم يبيّن الله سببه محدّداً جازماً حاسماً- فمهما خطر للمؤمن من الأسباب والعلل لهذا الحكم أو لذلك التكليف، أو لكيفيّة تنفيذ هذا الحكم، أو طريقة أداء ذلك التكليف، مما يدركه عقله ويحسن فيه .. فينبغي أن يعتبر هذا كله مجرّد احتمال .. ولا يجزم -مهما بلغت ثقته

<<  <  ج: ص:  >  >>