للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعلمه وعقله وتدبّره لأحكام الله بأن ما رآه هو الحكمة التي أرادها الله .. نصًّا .. وليس وراءها شيء، وليس دونها شيء! فهذا التحرّج هو مقتضى الأدب الواجب مع الله، ومقتضى الفارق ما بين علم الله ومعرفة الإنسان من اختلاف في الطبيعة والحقيقة!

وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكّة وفرضيته في المدينة .. ونذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب .. على أنه مجرّد احتمال .. وندع ما وراءه لله .. لا نفرض على أمره أسباباً وعللاً، لا يعلمها إلا هو .. ولم يحدّدها لنا ويطلعنا عليها بنصّ صريح!

إنها أسباب اجتهاديّة .. تخطئ وتصيب، وتنقص وتزيد، ولا نبغي بها إلا مجرّد تدبرّ أحكام الله، وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان:

أولاً:

ربما كان ذلك لأن الفترة المكيّة كانت فترة تربية وإعداد في بيئة معيّنة، لقوم معيّنين، وسط ظروف معيّنة .. ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئات خاصة، تربية نفس الفرد العربيّ على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضّيم يقع على شخصه أو على من يلوذون به، وذلك كي يخلص من شخصه، ويتجرّد من ذاته، ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به، محور الحياة في نظره، ودافع الحركة في حياته .. وتربيته كذلك على ضبط أعصابه؛ فلا يندفع لأوّل مؤثّر -كما هي طبيعته- ولا يهتاج لأوّل مهيّج، ليتمّ الاعتدال في طبيعته وحركته .. وتربيته على أن يتبع مجتمعاً منظّماً له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته، ولا يتصرّف إلا وفق ما تأمره -مهما يكن مخالفاً لمألوفه وعادته-

<<  <  ج: ص:  >  >>