وهذا معنى غير المعنى الأوّل، ومجال غير المجال الأوّل!
ولا يغيّر هذا من الحقيقة الأولى شيئاً، وهي أن تحقِّق الحسنة، وتحقّق السيّئة، ووقوعها لا يتم إلا بقدرة الله وقدره؛ لأنه المنشئ لكل ما ينشأ، المحدث لكل ما يحدث، الخالق لكل ما يكون .. أيًّا كانت ملابسة إرادة الناس وعملهم في هذا الذي يحدث، وهذا الذي يكون!
أمَّا القضيّة التي تمثّل هذه النصوص جانباً منها، أو التي تذكر بها، فهي (قضيّة الجبر والاختيار)، وإلى أيّ حدّ تعمل إرادة الإنسان فيما يحدث منه أو يحدث له؟ وكيف تكون له إرادة يقوم عليها الحساب والجزاء، بينما إرادة الله هي المنشئة لكل ما يحدث، ومنه إرادة الإنسان نفسه واتجاهه وعمله، إلى آخر هذه القضيّة ...
وكل ما يحدث بإرادة الله وقدره .. والإنسان يريد ويعمل، ويحاسب على إرادته وعمله .. والقرآن كله كلام الله، ولن يعارض بعضه بعضاً، فلا بدّ إذن أن تكون هناك نسبة معيّنة بين هذا القول وذاك، ولا بدّ إذن أن يكون هناك مجال لإرادة الإنسان وعمله، يكفي لحسابه عليه وجزائه، دون أن يتعارض هذا مع مجال الإرادة الربّانيّة والقدر الإلهيّ .. كيف؟ هذا ما لا سبيل لبيانه؛ لأن العقل البشري غير كفء لإدراك كيفيّات عمل الله!
ونبصر حدود وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمله، وموقف الناس منه، وموقفه من الناس، ورد الأمر كله إلى الله في النهاية: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (٨٠)}!
إن وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي أداء الرسالة، لا إحداث الخير، ولا إحداث