السوء، فهذا من أمر الله .. والله شهيد على أنه أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - لأداء هذه الوظيفة. {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)}!
وأمر الناس مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن من أطاعه فقد أطاع الله، فلا تفرقة بين قول الله وقول رسوله .. ومن تولّى معرضاً مكذباً فأمره إلى الله من ناحية حسابه وجزائه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل ليجبر أحداً على الهدى، ويكرهه على الدّين، وليس موكلاً بحفظ أحد من العصيان والضلال، فهذا ليس داخلاً في وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا داخلاً في قدرته!
بهذا البيان يصحّح تصوّرهم عن حقيقة ما يقع لهم .. فكله لا ينشأ ولا يتحقق إلا بإرادة الله وقدره .. وما يصيبهم من حسنة أو سيّئة -بأيّ معنى من معاني الحسنة أو السيّئة، سواء حسب ما يرونه هم في الظاهر، أو ما هو في حقيقة الأمر والواقع- فهو من عند الله؛ لأنه لا ينشئ شيئاً ولا يحدثه ولا يخلقه ويوجده إلا الله .. وما يصيبهم من حسنة حقيقيّة -في ميزان الله- فهو من عند الله؛ لأنه بسبب منهجه وهدايته، وما يصيبهم من سيّئة حقيقيّة -في ميزان الله- فهو عند أنفسهم؛ لأنه بسبب تنكّبهم عن منهج الله والإعراض عن هدايته!
والرسول - صلى الله عليه وسلم - وظيفته الأولى والأخيرة أنه رسول، لا ينشئ ولا يحدث ولا يخلق، ولا يشارك الله في خاصّيّة الألوهيّة .. وهي الخلق والإنشاء والإحداث .. وهو يبلّغ ما جاء به من عند الله، فطاعته فيما يأمر به إذن هي طاعة لله، وليس هناك طريق آخر لطاعة الله غير طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس الرسول مكلَّفاً أن يحدث الهدى للمعرضين المتولّين، ولا أن يحفظهم من الإعراض والتولّي بعد البلاغ والبيان!