وتلك الطائفة في ذلك الجيل كانت تخاطب بشيء تدركه، وتملك التحقّق منه بإدراكها في حدودها الخاصة!
تتجلَّى هذه الظاهرة .. ظاهرة عدم الاختلاف، أو ظاهرة التناسق .. ابتداء في التعبير القرآني من ناحية الأداء وطرائقه الفنيّة .. ففي كلام البشر تبدو القمم والسفوح، التوفيق والتعثّر، القوة والضعف، التحليق والهبوط والرفرفة والثقلة، الإشراق والانطفاء .. إلى آخر الظواهر التي تتجلَّى معها سمات البشر، وأخصّها سمة (التغيّر)، والاختلاف المستمرّ الدائم من حال إلى حال .. يبدو ذلك في كلام البشر، واضحاً عندما تستعرض أعمال الأديب الواحد، أو المفكّر الواحد، أو الفنّان الواحد، أو السياسي الواحد، أو القائد العسكري الواحد .. أو أيّ كان في صناعته، التي يبدو فيها الوسم البشري واضحاً .. وهو:(التغيّر والاختلاف)!
وواضح كل الوضوح أن هذه الظاهرة عكسها هو (الثبات والتناسق)، وهي الظاهرة الملحوظة في القرآن .. ونحن نتحدّث فقط عن ناحية التعبير اللفظي، والأداء الأسلوبي، فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز تختلف ألوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها؛ ولكن يتّحد مستواه وأفقه، بالإضافة إلى الكمال في الأداء بلا تغيّر ولا اختلاف من مستوى إلى مستوى .. وليس كما هو الحال في كل ما يصنع الإنسان!
إنه كتاب يحمل طابع الصبغة الربّانيّة، ويدلّ على الموجود الذي لا يتغيّر من حال إلى حال، ولا تتوالى عليه الأحوال! (١)
وتتجلّى ظاهرة عدم الاختلاف .. والتناسق المطلق الشامل الكامل .. بعد