مكوّنات اللحظة الحاضرة -في أيّة لحظة حاضرة- وعكس ذلك كله هو ما يتّسم به المنهج القرآنيّ الشامل الكامل، الثابت الأصول ثبات النواميس الكونيّة، الذي يسمح بالحركة الدائمة -مع ثباته- كما تسمح بها النواميس الكونيّة!
وتدبّر هذه الظاهرة، في آفاقها هذه، قد لا يتسنّى لكل إدراك، ولا يتسنّى لكل جيل؛ بل المؤكد أن كل إدراك سيتفاوت مع الآخر في إدراكها، وكل جيل سيأخذ بنصيبه في إدراكها، ويدع آفاقاً منها للأجيال المترقية في جانب من جوانب المعرفة أو التجربة؛ إلا أنه يتبقى من وراء كل الاختلاف البشري الكثير في إدراك هذه الظاهرة -كاختلافه الكثير في كل شيء- بقيّة يلتقي عليها كل إدراك، ويلتقي عليها كل جيل .. وهي أن هذه الصنعة شيء وصنعة البشر شيء آخر، وأنه لا اختلاف في هذه الصنعة ولا تفاوت. وإنما (وحدة وتناسق) .. ثم يختلف الناس بعد ذلك ما يختلفون في إدراك آحاد وآفاق وأبعاد وأنواع ذلك التناسق! (١)
وإلى هذا القدر الذي لا يخطئه متدبّر -حين يتدبّر- يكل الله تلك الطائفة، كما يكل كل أحد، وكل جماعة، وكل جيل .. وإلى هذا القدر من الإدراك المشترك يكل إليهم الحكم على هذا القرآن، وبناء اعتقادهم في أنه من عند الله، ولا يمكن أن يكون من عند غير الله!
ويحسن أن نقف هنا وقفةً قصيرةً، لتحديد مجال الإدراك البشري في هذا الأمر وفي أمر الدّين كلّه، فلا يكون هذا التكريم الذي كرّمه الله للإنسان بهذا التحكيم، سبيلاً إلى الغرور، وتجاوز الحدّ المأمون، والانطلاق من السياج الحافظ على المضيّ في التّيه بلا دليل!
(١) انظر (خصائص التصوّر الإِسلامي ومقوماته) و (الإِسلام ومشكلات الحضارة) و (هذا الدين).