ويذيعه بين زملائه، أو بين من لا شأن لهم به؛ لأن قيادته المؤمنة هي التي تملك استنباط الحقيقة، كما تملك تقدير المصلحة في إذاعة الخبر- حتى بعد ثبوته أو عدم إذاعته!
وهكذا كان القرآن يربّي .. فيغرس الإيمان والولاء للقيادة المؤمنة، ويعلم نظام الجنديّة في آية واحدة .. بل بعض آية .. فصدر الآية يرسم صورةً منفرةً للجنديّ وهو يتلقّى نبأ الأمن أو الخوف، فيحمله ويجري متنقّلاً، مذيعاً له، من غير تثبّت، ومن غير تمحيص، ومن غير رجعة إلى القيادة .. ووسطها يعلم ذلك التعليم .. وآخرها يربط القلوب بالله في هذا، ويذكرها بفضله، ويحركها إلى الشكر على هذا الفضل، ويحذّرها من اتباع الشيطان الواقف بالمرصاد، الكفيل بإفساد القلوب لولا فضل الله ورحمته: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (٨٣)}!
آية واحدة تحمل هذه الشحنة كلها، وتتناول القضيّة من أطرافها، وتتعمّق السريرة والضمير، وهي تضع التوجيه والتعليم! ذلك أنه من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)}!
وحين يصل السياق إلى هذا الحدّ من تقويم عيوب الصفّ، التي تؤثّر في موقفه في الجهاد وفي الحياة -ومنذ أول الدرس وهذا التقويم مطرد لهذه العيوب- عندئذ ينتهي إلى قمّة التحضيض على القتال الذي جاء ذكره في ثنايا الدرس .. قمة التكليف الشخصي، الذي لا يُقعد الفردَ عنه تبطئة ولا تخذيل، ولا خلل في الصف، ولا وعورة في الطريق، حيث يوجه الخطاب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يقاتل -ولو كان وحيداً- فإنه لا يحمل في الجهاد إلا تبعة شخصه - صلى الله عليه وسلم -، وفي الوقت ذاته يحرّض المؤمنين على القتال .. وكذلك يوحي