والزَبَد الزائف، وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها، فلا تعود خليطاً مجهول القيم!
وكان القرآن الكريم يتنزّل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه، يصوّر الأحداث، ويلقي الأضواء على منحنياته وزواياه، فتنكشف المواقف والمشاعر، والنوايا والضمائر .. ثم يخاطب القلوب وهي مكشوفة في النور، عارية من كل رداء وستار .. ويلمس فيها مواضع التأثّر والاستجابة، ويربيّها يوماً بعد يوم، وحادثاً بعد حادث، ويرتّب تأتّراتها واستجاباتها وفق منهجه الرباني!
ولم يترك المسلمون لهذا القرآن، يتنزّل بالأوامر والنواهي وبالتشريعات والتوجيهات جملة واحدة، إنما أخذهم الله بالتجارب والابتلاءات، والفتن والامتحانات، فقد علم الله أن هذه الخليقة البشريّة لا تصاغ صياغةً سليمةً، ولا تنضج نضجاً صحيحاً، ولا تصح وتستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبيّة الواقعيّة، التي تحفر في القلوب، وتنقش في الأعصاب. وتأخذ من النفوس وتعطي في معترك الحياة ومصطرع الأحداث!
إنه يتنزّل ليكشف لهذه النفوس عن حقيقة ما يقع ودلالته، وليوجه تلك القلوب وهي منصهرةٌ بنار الفتنة، ساخنة بحرارة الابتلاء، قابلة للطرق، مطاوعة للصياغة!
ولقد كانت فترة عجيبة حقًّا، تلك التي قضاها المسلمون في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. فترة اتصال السماء بالأرض اتصالاً مباشراً، مبلوراً في أحداث وكلمات .. ذلك حين كان يبيت كل مسلم وهو يشعر أن عين الله عليه، وأن سمع الله إليه، وأن كلّ كلمة منه وكلّ حركة، بل كلّ خاطر وكلّ نيّة، قد