يصبح مكشوفاً للناس، يتنزّل في شأنه قرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وحينئذ كان كل مسلم يحسن الصلة المباشرة بينه وبين ربّه، فإذا حزبه أمر، أو واجهته معضلة، انتظر أن تفتح أبواب السماء غداً أو بعد غد ليتنزّل منها حلّ لمعضلته، وفتوى في أمره، وقضاء في شأنه .. وحينئذ كان الله بذاته العلية يقول: أنت يا فلان بذاتك قلت كذا، وعملت كذا، وأضمرت كذا، وأعلنت كذا، وكن كذا، ولا تكن كذا .. ويا له من آمر هائل عجيب! .. يا له من أمر هائل عجيب أن يوجّه الله خطابه المعيّن إلى شخص معين .. هو وكل من على هذه الأرض وكل ما في هذه الأرض، وكل هذه الأرض ذرّة صغيرة في ملك الله الكبير!
لقد كانت فترة عجيبة حقًّا، يتملاها الإنسان اليوم، ويتصوّر حوادثها ومواقفها، وهو لا يكاد يدرك كيف كان ذلك الواقع أضخم من كل خيال!
ولكن الله لم يدع المسلمين لهذه المشاعر وحدها تربيّهم، وتنضج شخصيّتهم المسلمة، بل أخذهم بالتجارب الواقعيّة، والابتلاءات التي تأخذ منهم وتعطي، وكل ذلك لحكمة يعلمها، وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} (الملك)!
هذه الحكمة تستحق أن نقف أمامها طويلاً، ندركها ونتدبّرها، ونتلقّى أحداث الحياة وامتحاناتها على ضوء ذلك الإدراك وهذا التدبير!
ولنا حديث خاص عن (غزوة الأحزاب) نذكر فيه كيف كان الامتحان لـ (الجماعة المسلمة) الناشئة، وتذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم في ردّ الجيش الذي همّ أن يستأصلهم، لولا عون الله وتدبيره اللطيف، قال تعالى: