كائن، فلما جاءوه، وقد دعا النجاشيّ أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: ما هذا الدّين الذي فارقْتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا دين أحدٍ من هذه الأمم؟!
قالت: فكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضعيف، فكنّا على ذلك، حتى بعث الله إِلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافَه، فدعانا إِلى الله لنوحِّده ونعبَده، ونخلَعَ ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان!
وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام -قالت: فعدّد عليه أمور الإِسلام- فصدّقناه، وأمنّا به، واتبعناه على ما جاء به!
فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحلَلْنا ما أحلّ لنا، فَعَدَا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليرُدُّونا إِلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا، وشقُّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إِلى بلدك، واخترناك على مَن سواك، ورغِبنا في جوارك، ورجَوْنا أن لا نُظْلم عندك أيّها الملك!