قالت: فقال له النجاشيّ: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نَعَم، فقال له النجاشي: فاقْرَأْ عليّ، فقرأ عليه صدْراً من {كهيعص} قالت: فبكى، والله! النجاشيّ حتى أخضل لْحيته، وبكتْ أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال له النجاشي: إِن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله! لا أسلمهم إِليكم أبداً، ولا أكاد!
قالت أم سلمة: فلمّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله! لأنبئنّه غداً عَيْبَهم عنده، ثم أستأصِل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله ابن أبي ربيعة، وكان أتْقَى الرجلين فينا: لا تفعل، فإِن لهم أرحاماً، وإِن كانوا قد خالفونا، قال: والله! لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدًا عليه الغد، فقال له: أيّها الملك: إِنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأَرْسِلْ إِليهم فاسألهُمْ عما يقولون فيه، قالت: فأرسَل إِليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إِذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله! فيه ما قال الله وما جاء به نبيّنا، كائناً في ذلك ما هو كائن، فلمّا دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبيّنا: هو عبد الله ورسوله ورُوحه، وكلمته ألقاها إِلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشيّ يده إِلى الأرض، فأخذ منها غوداً، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العُودَ. فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإِن نَخَرْتُم والله! اذهبوا فأنتم سيومٌ بأرضي (والسُّيُوم: الآمنون) هَنْ سَبَّكُم غُرِّمَ، ثم من سبّكم