يلقيه عليه الملك وهو يقتضي أنه - صلى الله عليه وسلم - على غير بصيرة فيما يوحى إليه، وفيما يبلّغه عن الله تعالى، ويقتضي أيضاً جواز تصوّر الشيطان بصورة الملك، ملبّساً على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح ذلك -كما قال في الشفاء- لا في أوّل الرسالة ولا بعدها، والاعتماد في ذلك على دليل المعجزة!
وقال ابن العربي: تصوّر الشيطان في صورة الملك ملبّساً على النبي - صلى الله عليه وسلم - كتصوّره في صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - ملبّساً على الخلق، وتسليط الله تعالى له على ذلك كتسليطه في هذا، فكيف يسوغ في لبّ سليم استجازة ذلك؟ ولكن الغرنوقيّين استجازوه وقالوا بوقوعه لسيّد الخلق خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا ألباب لهم!
وأجاب الشيخ الكوراني على هذه المفسدة، فقال: إن هذا الاشتباه في حالة خاصّة للتأديب لا يقتضي أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - على غير بصيرة، فيما يوحى إليه في غير تلك الحالة!
قلنا: أيّ (تأديب) هذا الذي يردّده الكوراني، وقد أبطل وجوده بوجود أساسه في زعمه، وكان أساسه التمسّك بنصّ مرسل سعيد بن جبير وأمثاله من المراسيل الواهية الواهنة التي زعمت أن الشيطان ألقى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمات الكفر الخبيث بمدح الأوثان، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نطق بما ألقاه الشيطان على لسانه، ملبّساً عليه بأنه ملك الوحي، وملبّساً عليه أن ما ألقاه على لسانه قرآن أوحي إليه به في البين من آيات سورة (النجم)، وكان هذا التلبيس (تأديباً) للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتصفية له، وترقيةً إلى الأكمل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد إيمان الجميع، وهذا على خلاف إرادة الله وتقديره!
ثم ذهب الشيخ الكوراني في ردّه على الوجه الثالث من وجوه المفاسد في