قصّة الغرانيق إلى التنصّل من نصّ رواية المراسيل، وقال: إنه لابدّ من حمل الكلام الشيطاني على الاستفهام وحذف أداته، أو على إضمار القول من المشركين، وهذا بلا شكّ تطويح بمصدر (التأديب) إلى هاوية البطلان؛ لأنه حينئذ لا تلبيس على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون المقام مقام (تأديب)، كما زعم من لم يرجُ لله وقاراً في عصمة الأنبياء!
على أن ردّ الشيخ الكورانيّ يحمل دلائل الإمعان والاستمساك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس معصوماً من تلبيس الشيطان، ولا من اشتباه ما يلقيه من خبيث الكلمات، وفجور الكفر بآيات القرآن، ويكون - صلى الله عليه وسلم - مسلوب البصيرة في معرفة ما يوحى إليه من آيات الله وشرائعه، وليحكم على هذا أهل العقول من سائر الفرق والطوائف والنحل: لأنه أمر فوق إدراك العقول!
ولا وزن لتخصيصهم -الغرنوقيّين- هذا السلب ببعض الأحوال، وهي كما يزعمون الحالة الموجبة لـ (التأديب)؛ لأن ما جاز في بعض الأحوال، لا دعاء سبب باطل له يجوز أن يكون في غيرها الادعاء سبب له؛ لأن سبب (التأديب مختلق باطل)؛ لأنه مبنيّ على باطل، وهو ادّعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد هدي الكلّ، وهذه الإرادة منافية لإرادة الله عدم هداية الكلّ، فاستحق النبي - صلى الله عليه وسلم - في زعم الكوراني- التأديب من أجل إرادته هدي الكلّ، والغرنوقيون يتحكّمون في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي إرادته، وفي تبليغ رسالته إلى الخلق، ليفرضوا كما فرض الخوارج المارقون من الدّين نقائص توجب -في زعمهم- التأديب، ولا شكّ أن هذا منزع جاف منكر خبيث، هو منزع الخوارج!
ثم قال الشيخ الكوراني: وأما قول عياض: لا يصحّ أن يتصوّر الشيطان بصورة الملك، ويلبّس عليه - صلى الله عليه وسلم -، فإن أراد به أنه لا يصحّ أن يلبّس تلبيساً قادحاً