للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢)} (عبس)!

وهذا التوجيه الذي نزل بشأن هذا الحادث هو أمر عظيم جداً، أعظم بكثير مما يبدو لأول وهلة .. إنه معجزة، هو والحقيقة التي أراد إقرارها في الأرض، والآثار التي ترتّبت على إقرارها بالفعل في حياة البشريّة، ولعلّها هي معجزة الإِسلام الأولى، ومعجزته الكبرى كذلك، ولكن هذا التوجيه يرد هكذا، تعقيباً على حادث فردي، على طريقة القرآن الإلهيّة في اتخاذ الحادث المفرد والمناسبة المحدودة فرصةً لتقرير الحقيقة المطلقة، والمنهج المطرد! (١)

وبهذا ردّ الله للدعوة موازينها الدقيقة وقيمها الصحيحة، وصحّح تصرّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي دفعته إليه رغبته في هداية صناديد قريش، طمعاً في إسلام مَن وراءهم وهم كثيرون .. فبيّن الله له أن استقامة الدعوة على أصولها الدقيقة أهمّ من إسلام أولئك الصناديد، وأبطل كيد الشيطان من الدخول إلى العقيدة من هذه الثغرة، وأحكم الله آياته، واطمأنّت إلى هذا البيان قلوب المؤمنين!

ويروي مسلم عن سعد -هو ابن أبي وقاص- قال: (٢)

كنّا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ستّة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد هؤلاء لا يجترؤن علينا.

قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجلٌ من هذيل، وبلال، ورجلان لَسْتُ أُسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه،


(١) انظر: السابق: ٦: ٣٨٢٢ وما بعدها.
(٢) مسلم: ٤٤ فضائل الصحابة (٢٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>