مطموس، ولا تصمد له روح غير معاندة ولا مستكبرة ولا مشدودة بالهوى الجامح اللئيم .. ومن ثمّ لمس هذه القلوب لأوّل وهلة، فإذا هي تنطق بهذه الشهادة، وتعبّر عما مسّها منه هذا التعبير!
ثم مضوا في نذارتهم لقومهم في حماية المقبنع المندفع، الذي يحسِّ أن عليه واجباً في النذارة، لا بد أن يؤديه: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)}!
فقد اعتبروا نزول هذا الكتاب إلى الأرض دعوة من الله لكل من بلغته من إنس وجنّ، واعتبروا محمداً - صلى الله عليه وسلم - داعياً إلى الله بمجرد تلاوته لهذا القرآن واستماع الثقلين له، فنادوا قومهم بهذا النداء، وآمنوا كذلك بالآخرة، وعرفوا أن الإيمان والاستجابة لله يكون معهما غفران الذنب، والإجارة من العذاب، فبشّروا وأنذروا بهذا الذي عرفوه!
وهنا نبصر تكلة طبيعية لنذارة النفر لقومهم، فقد دعوهم إلى الاستجابة والإيمان، فالاحتمال قويّ وراجح أن يبيّنوا لهم أن عدم الاستجابة وخيم العاقبة، وأن الذي لا يستجيب لا يعجز الله أن يأتي به ويوقع عليه الجزاء، ويذيقه العذاب الأليم، فلا يجد له من دون الله أولياء ينصرونه أو يعينونه، وأن هؤلاء المعرضين ضالون ضلالاً بيناً عن الصراط المستقيم!