للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعود إلى الهجرة إلى الحبشة، لنبصر ذلك فيما رواه البخاري وغيره من حديث طويل، أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:

لم أعقل أبويّ قطّ إِلاّ وهما يدينان الدّين، ولم يمرَّ علينا يومٌ إِلاّ يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طَرَفي النّهار: بُكرةً وعَشِيَّةً، فلما ابتُلي المسلمون، خرج أبو بكر مُهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى بلغ برك الغمام لقيه ابن الدّغِنَّة -وهو سيّد القارة- فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأُريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربِّي!

قال ابن الدّغنّة: فإِن مِثلك يا أبا بكر لا يخْرُج ولا يُخْرَج، إِنك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الْكلَّ، وتقري الضّيف، وتُعين على نوائب الحقّ، فأنا لك جار، ارْجِع واعبد ربَّك ببلدك!

فرجع، وارتحل معه ابن الدّغّنة، فطاف ابن الدغنّة عشيّة في أشراف قريش فقال لهم: إِن أبا بكر لا يخرج مثْله ولا يُخرج، أتُخرجون رجلاً يكسب المعْدُوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويَقْري الضّيْف، ويعين على نوائب الحق؟

فلم تكذِّبْ قريش بجوار ابن الدّغنّة، وقالوا لابن الدّعنة: مُرْ أبا بكر فليعبُدْ ربّه في داره، فليُصلِّ فيها وليقرأْ ما شاء، ولا يُوذينا بذلك، ولا يَستَعْلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدّغنّة لأبي بكر!

فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربّه في داره، ولا يَسْتعلن بصلاته. ولا يقرأ في غير داره!

<<  <  ج: ص:  >  >>