ربائب الجهل الظلوم، من ملأ قريش، الذين كان يدعوهم إلى النجاة، ويأبون إلا أن يكون مأواهم النار، لا يخفّف عنهم من عذابها، وما هم منها بمخرجين!
تلك زوجه الصّدِّيقة المصدَّقة، الأمينة الطاهرة، سيّدة نساء العالمين، السيّدة خديجة أمّ المؤمنين رضي الله عنها!
ثم بفقد الحفيّ القويّ الحميّ الجريء، المطاع في قومه، العظيم في حياته، الحدب المدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حميّةً قوميّة .. العزيز في حسبه، الفارع في نسبه .. الذي إذا دعا لنضال الحماية لدفع مذلة الضّيم أجابته السيوف المنافية الهاشميّة، شاكيةً تأبى أن تقرّ في أغمادها، حتى يُقضى بينها وبين من يتلمّظ لعداوتها، ويتعرض لملاقاتها وسخطها!
ذلك الفحل لا يُجدع أنفه، ولا يطمع في مهادنته إذا اسْتُغضب .. أبو طالب بن عبد المطّلب، سيّد البطحاء، عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنو أبيه، صاحب المواقف التي أرعبت أفئدة ملأ قريش، وروّعت أمنهم، وذهبت باستقرارهم، وأذلت استكبارهم، دفاعاً عن سياج العزّة الهاشميّة التي أبى عليها تعزّزها بالسؤدد والمجد والشرف في العرب قاطبةً، أن تقبل ضَيماً في شخص وحيد الدنيا في عليا المكارم محمَّد الأمين - صلى الله عليه وسلم -، حفيّها، ونور حياتها، ولباب أفئدتها، يهبّون إذا أهبهم شيخهم أبو طالب، ويسكنون متحفّزين إذا سكّنهم، فهم طوع إرادته، ورهن إشارته!
وهاتان المحنتان المتعاقبتان في زمن يسير -كما أسلفنا- من أشدّ ما لقي محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحزان الدّنيا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فقد بفقدهما حنان