الأنس، وعاطفة الحبّ في الزوج المحبّة الأمينة، وفقد القوّة الحامية، والحدب في عمّه الذي وقف إلى جانبه يُدافع عنه، ويقوِّي عزيمته، ويردّ عنه سفه السفهاء، وعتوّ البغاة العتاة الطغاة، وفجور الفجّار!
ولا سيما كان فقدهما عقب محنة مريرة قاسية، تجلّت فيها بشاعة اللؤم العتيّ، وفظاعة الحقد الوثنيّ، والاستكبار العنيد .. تلك هي محنة الحصار الاقتصادي، والمقاطعة الصارمة، والإجاعة المميتة ثلاث سنين، بين البؤس والحرمان، وأنين الأطفال، ودموع النساء .. هذا الحصار الذي تعاهدت عليه قريش، وأفقدها كل عاطفة حيوانيّة، بَلْه إنسانيّة، كان أشدّ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه- ومن دخل معهم حميّة من الهاشميّين والمطّلبيين، إيلاماً ومضاضة وقسوة -من سنيّ يوسف عليه السلام-، وكانت أيّامها أظلم الحوالك في دنيا الظلم والفجور، حتّى أكل المحصورون ما لم يؤكل، وصبروا على ما لم يصبر عليه الصُّبَّر من أولي البلاء والمحن، مع ما سبق ذلك من سفه سفهاء قريش، وفجور ملئها في إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في صور متعدّدة، وأشكال مختلفة، تدلّ على حنق مغيظ، وغيظ حانق حقود!
وكان من آثار ذلك في تبليغ الرسالة، وقوّة الحميّة القوميّة، أن خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد يأسه من طغاة الوثنيّة البليدة لدعوة الحقّ والهُدى، ويأسه - صلى الله عليه وسلم - أن يتركوه يبلّغ رسالة ربّه، ويخلّوا بينه وبين الناس في محافلهم وأسواقهم وتجمّعاتهم، ليدعوهم إلى الله الواحد الأحد، الذي يجب أن يفرد بإخلاص العبادة -إلى الطائف حيث ثقيف .. ليؤوه وينصروه، حتى