يُبلِّغ رسالة ربّه .. فلقي منهم -كما عرفنا- أفراداً وجماعات، السّفه الطائش، ولؤم الضيافة، وشراسة الخلق، ورذالة الطبع، وخسّة المروءة، فقد فَظِع بكبرائهم أن يسمعوا منه أنه رسول الله، وأنّه يدعو إلى توحيد الله، وخلع الأصنام والأوثان، فأساؤوا ردّه من أوّل وهلة، وتنمّروا له من أوّل كلمة .. وسلّطوا عليه غلمانهم وسائر سفهائهم، فوقفوا له في الطريق سِمَاطَيْن، يرمونه بالحجارة، حتى لقي من سوء ما لقي .. وبلغ مأمناً يهابه جبناء ثقيف، فرجعوا عنه .. وْعاد - صلى الله عليه وسلم - إلى مكّة وملؤها وسفهاؤها على أخبث ما كانوا من غيظ حقود!
وهكذا تجمّعت غمامات الآلام على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتكاثفت سحب العوائق أمام نهوضه بتبليغ رسالة ربّه، وانتشر الشر في آفاق الحياة، واحلولك الظلام في جنباتها، وتقاصر الأمل عن غايته، وضاقت حلقات العزائم عند كثير، واستحكم الشرُّ في نفوس الشرّيرين، وتثاءب اليأس المظلم، وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحيداً يُقلِّب وجهه في السماء، انتظاراً للفرج، وترقّباً لانجلاء غمامات المحن والبلايا!!
لقد كانت هذه المرحلة الكفاحيّة غير المتكافئة تمحيصاً للمؤمنين .. ودروساً لتربية صدق العزائم عند طلائع السابقين .. وإعداداً لكتائب الدعاة إلى الله تعالى في التأسّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، صبراً جميلاً، واحتمالاً لنوازل البلاء، وتوجيهاً للأحداث بفكر حكيم محكم، وسياسة رحيمة، تجعل من العدوّ صديقاً حميماً، ومن السفيه الجهول حكيماً عليماً!