نعود فنبصر سورة الإسراء تبدأ بتسبيح الله، وهو أليق حركة نفسيّة تتَّسق مع جوّ الإسراء اللطيف، وأليق صلة بين العبد والرّبّ في ذلك الأفق الوضيء!
وهذا لا يقال إلا في الأمور المستبعدة عادة لتعاظمها (١)، والتي لا تألفها مدارك العقول في متعارف الحياة، وقد تنكرها لأوّل وهلة، نظراً للسنن العامّة التي قام عليها نظام الكون وطبيعة الترابط بين عناصره ومكوّناته، فإذا رُميت بسهم التأمّل ومعرفة اقتدار الله تعالى وقهره لكل مخلوق له من مادّة أو نظام، رجعت العقول إلى التصديق والقبول، ما لم يصدّها العناد المستكبر، وآمنت بأن لله تعالى في عظمة اقتداره وقهر سلطانه سنناً خاصّة لها أسبابها ومناسباتها وأزمانها وأحداثها ودواعيها؛ لأن الألوهيّة الحقّة القاهرة القادرة المدبّرة الحكيمة لا تقيّدها من مخلوقة لها مرئيّة أو معلومة، لدى العقول، أو معتادة في متعارف الحياة ومألوفاتها، بل إن هذه الألوهيّة الحقّة تقتضي أن يكون الإطلاق الكامل حقًّا لها في مشيئة كينونة ما تشاء كونه!
ولكن ذلك يجري على نظام خاصّ مقدّر -وهو ما سمّيناه بالسنن الخاصّة التي تقتضيها مناسباتها في أزمانها وأشخاصها وأحدائها- شُرِّف به
(١) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ٣٤٤ بتصرف.