نبيّنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ووقع له بحالته الطبيعيّة الكاملة بشريّةً وروحاً، فلم تفقد روحه جسمه، ولم يُفارق جسمه روحَه، بل أسرى بهما ربّ العزة جل شأنه، وهذه الحالة الكاملة لشخص النبيّ - صلى الله عليه وسلم - التي لا تفارق فيها الرُّوح جسمَها المقدور لها في الحياة به ومعه في تلازم امتزاجيّ لا يعرف حقيقته إلا الله تعالى هي التي يطلق عليها في لغة العرب عند التفاهم، وفي عرف الناس كافّةً عند التعامل تعريفاً لفظ (عبد)، كما جاء في آية الإسراء ويتأكّد ذلك بإضافة التشريف والتكريم لهذا العبد المكرّم التي خصّه الله بها في هذا المقام، فقال:{سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ}! لاستشعار وقوع ما لم يكن في حسبان العقول، وقد جرى عرف القرآن الأسلوبي على ذلك، فقال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبدُ اللهِ يَدْعُوهُ}(الجن: ١٩)!
والقائم الذي يدعو الله هو الشخص المؤلف من روح وجسد، ويزيد ذلك تأكيداً تحديد مبدأ الإسراء ونهايته، وهذا في المتعارف لدى العقول لا يقال إلا في أمر مادّيّ يفيد الانتقال من مكان إلى مكان!
فالإسراء كان قطعاً بمقتضى منطوق الآية الكريمة ومفهومها وإشاراتها ولوائحها بأكمل ما يطلق عليه لفظ (عبد)، وهو شخص النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المكوّن من روحه وجسده، لم تُفارق روحُه جسدَه، ولم يفقد جسدُه روحَه في جميع لحظات الرحلة المباركة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ذهاباً وأوبةً، فلا وجه مطلقاً لصرف هذه الحقيقة عن وجهها الذي تدلّ عليه الآية دلالةً بيّنةً!