جاء بعد ذلك ممن اتّبعوا محمداً مَن عجز عن متابعته، في سموّ فكرته، وقوة إحاطته بوحدة الكون في كماله وفي جهاده لبلوغ هذا الكمال، فلا عجيب في ذلك ولا عيب فيه، والممتازون من الناس والموهوبون منهم درجات، وبلوغنا الحقيقة معرّض دائماً لهذه الحدود التي تعجز قوانا عن تخطيها!
وإذا كان من القياس مع الفارق أن نذكر، لمناسبة ما نحن الآن بصدده، قصّة أولئك المكفوفين الذين أرادوا أن يعرّفوا الفيل ما هو؟
فقال أحدهم: إنه حبل طويل؛ لأنه صادف ذنبه!
وقال الآخر: إنه غليظ كالشجرة؛ لأنه صادف رجله!
وقال ثالث: إنه مدبّب كالرمح؛ لأنه صادف سنّه!
وقال رابع: إنه مستدير ملتو؛ كثير الحركة؛ لأنه صادف خرطومه!
فإن هذا المثل، مقروناً إلى الصورة لدى المبصر من الفيل لأول ما يراه، يسمح لنا بالموازنة بين إدراك محمَّد عنه (وحدة الكون والوجود)، وتصويره في الإسراء والمعراج؛ حيث يتّصل بأول الزمن من قبل آدم إلى آخره يوم البعث، وحيث تنعدم نهائية المكان، إذ يُطل بعين البصيرة من لدن سدرة المنتهى إلى هذا الكون يصبح أمامه سديماً، وبين ما يستطيع الكثير إدراكه من حكمة هذا الإسراء والمعراج، إذ يقفون عند تفاصيل ليست من وحدة الكون وحياته إلا كذرّات الجسم، بل كالذرّات العائقة به من غير أن يتأثّر بها نظامه، أين الواحدة من هذه الذرّات من حياة هذا الجسم، ومن