السامية في جمالها وجلالها، والتي تصوّر الوحدة الرّوحيّة، ووحدة الكون في نفس محمَّد تصويراً صريحاً، يستطيع الإنسان أن يصل إلى إدراكه إذا هو حاول السموّ بنفسه عن أوهام العاجلة في الحياة، وحاول الوصول إلى كنه الحقيقة العليا، ليعرف مكانه، ومكان العالم كله منها!
لم يكن العرب من أهل مكة ليستطيعوا إدراك هذه المعاني، لذلك ما لبثوا حين حدّثهم محمَّد بإسرائه أن وقفوا عند الصورة المادّيّة من أمر هذا الإسراء، وإمكانه أو عدم إمكانه!
ثم ساور أتباعه والذين صدّقوه أنفسهم بعض الرّيب فيما يقول!
وقال كثيرون: هذا، والله إن العير لتطرد شهراً من مكّة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، أيذهب محمَّد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكّة؟!
ثم قال: وذهب من أخذتهم الرّيبة في الأمر إلى أبي بكر وحدّثوه حديث محمَّد، فقال أبو بكر:
(والله لئن كان قاله لقد صدق، وما يعجبكم من ذلك! فوالله! إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار، فهذا أبعد مما تعجبون منه) ثم أقبل على النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن وصفه، وكلما ذكر شيئاً قال: صدقت، أشهد أنك رسول الله .. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وأنت يا أبا بكر الصدّيق، فيومئذ سماه الصدّيق"! (١)
قال: ويدلل الذين يقولون إن الإسراء بالجسد على رأيهم بأن قريشاً لمّا
(١) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: وانظر: الحاكم: ٣: ٦٢ - ٦٣ وصححه الذهبي ووافقه.