بعدهم يتلى، ليحذر الذين يعلمون من علم الله شيئاً أن ينتهوا إلى هذه النهاية البائسة، وأن يصيروا إلى هذا اللهاث الذي لا ينقطع أبداً، وأن يظلموا أنفسهم ذلك الظلم الذي لا يظلمه عدوّ لعدو، فإنهم لا يظلمون إلا أنفسهم بهذه النهاية النكدة!
إنه مشهد من المشاهد العجيبة، الجديدة كل الجدة على ذخيرة هذه اللغة من التصوّرات والتصويرات .. إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع .. ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً .. ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلتس بلحمه، فهو ينسلخ منها بعنف وجهد ومشقّة، انسلاخ الحيّ من أديمه اللاصق به .. لأنه يهوديّ الخلق!
أو ليست الكينونة البشريّة متلبّسة بالإيمان بالله تلبّس الجلد بالكيان؟!
ومع هذا، ها هو ذا ينسلخ من آيات الله، ويتجرّد من الغطاء الواقي، والدرع الحامي، وينحرف عن الهُدى ليتبع الهوى، ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطّين المعتم، فيصبح غرضاً للشيطان، لا يقيه منه واقع ولا يحميه منه حام، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه؛ لأنه يهوديّ الخلق!
ثم إذا نحن أولاء، أمام مشهد مفزع بائس نكد .. إذا نحن بهذا المخلوق لاصقاً بالأرض، ملوّثاً بالطّين! ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب، يلهث إن طورد، ويلهث إن لم يطارد!
كل هذه المشاهد المتحرّكة تتتابع وتتوالى، والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثّر .. فإذا انتهى المشهد الأخير منها .. مشهد اللهاث الذي لا ينقطع .. مع التعليق المرهوب الموحي على المشهد كله: