للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا أنه يأباه سياق الآيات، فلأن الآية تذكر أن فساداً كبيراً، وطغياناً عظيماً يقع من بني إسرائيل في المرّة الأولى من مرّتي إفسادهم، وأنهم بعد ذلك يؤدّبون على إفسادهم، بأن يبعث الله عليهم عباداً له أقوياء، وقد بيّن الله تعالى مهمّة هؤلاء العباد فقال: {فَجَاسوا خِلالَ الدّيَارِ}!

أي فتردّدوا بين مساكنكم يا بني إسرائيل، لقتلكم ولسلب أموالكم، ولتخريب دياركم، وهذا ينطبق على ما نزل باليهود من عقوبات عامّة مدمّرة قبل الإِسلام، على يد البابليّين، والرومان وغيرهم، ولا ينطبق على العقوبات التي أنزلها المسلمون بهم في العهد النبويّ؛ لأنها كانت عقوبات تتّسم بالعدالة -كما هو معلوم- إذ لم تتناول إلا مَن يستحقّها منهم!

وأمّا أنه مخالف للمشهور عن أئمّة التفسير واللغة في معنى الجوس، فإليك الدليل:

١ - قال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: معنى جاسوا: قتلوا، ويستشهد لقوله ذلك ببيت حسان:

ومنّا الذي لاقى بسيف محمَّد ... فجاس به الأعداء عُرض العسكر

قال: وجائز أن يكون معناه: فجاسوا خلال الدّيار، فقتلوهم ذاهبين وجائيين! (١)

قال القرطبي: فجمع بين قول أهل اللغة! (٢)


(١) تفسير الطبري: ١٥: ٢٧ - ٢٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١٠: ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>