من القوّة والضعف، والجمال الفني، وقيل مثل هذا في الغزوات والفتوح .. إلى أن قال:
وأنا أعلم أن قوماً سيضيقون بهذا الكتاب؛ لأنهم مُحْدثون يكبرون العقل، ولا يثقون إلا به، ولا يطمئنون إلا إليه، وهم لذلك يضيقون بكثير من الأخبار والأحاديث التي لا يسيغها العقل ولا يرضاها، وهم يشكون ويلحّون في الشكوى حين يرون كلف الشعب بهذه الأخبار، وجدّه في طلبها، وحرصه على قراءتها والاستماع لها، وهم يجاهدون في صرف الشعب عن هذه الأخبار والأحاديث، واستنقاذه من سلطانها الخطر المفسد للعقول.
هؤلاء سيضيقون بهذا الكتاب بعض الشيء؛ لأنهم سيقرؤون فيه طائفة من هذه الأخبار والأحاديث التي نصبوا أنفسهم لحربها، ومحوها من نفوس الناس.
وأحبّ أن يعلم هؤلاء أن العقل ليس كل شيء، وأن للناس ملكات أخرى ليست أقلّ حاجة إلى الغذاء والرضا من العقل، وأن هذه الأخبار والأحاديث إذا لم يطمئن إليها العقل، ولم يرضها المنطق، ولم تستقم لها أساليب التفكير العلمي؛ فإن في قلوب الناس وشعورهم وعواطفهم وخيالهم وميلهم إلى السذاجة، واستراحتهم إليها من جهد الحياة وعنائها، ما يحبّب إليهم هذه الأخبار، ويرغّبهم فيها، ويدفعهم إلى أن يلتمسوا عندها الترفيه على النفس، حين تشق عليهم الحياة، وفرق عظيم بين من يتحدّث بهذه الأخبار إلى العقل على أنها حقائق يقرّها العلم، وتستقيم لها مناهج البحث، ومن يقدّمها إلى القلب والشعوب على أنها مثيرة لعواطف الخير، صارفة عن بواعث الشرّ، معينة على إنفاق الوقت، واحتمال أثقال الحياة، وتكاليف العيش ..)!