ويقرؤون السيرة النبويّة في مصادرها الوثيقة -كما سيأتي- قراءة إمعان وإنصاف، يعلمون أن هذا الكتاب الحكيم، وهذه السيرة الكريمة عُنيا أكثر ما عُنيا في نصوصهما بالنبوّة والرسالات الإلهية، فأشادا بهما، وأعظما شأنهما، وجعلا معرفتهما والإيمان بهما شطر الإيمان الصحيح، فلا تكمل حقيقة إيمان مؤمن - في شرعة هذا الكتاب الكريم، وفي هدي سنة نبيّه الأمين - صلى الله عليه وسلم - إلا بصدق الرسالات الإلهية والإيمان بها، إيماناً لا يفرق بين أحد من رسل الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)} [البقرة: ٢٨٥]!
وإيمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو إيمان التلقّي المباشر (٢) .. تلقّي القلب النقي للوحي العلي، واتصاله المباشر بالحقيقة المباشرة .. الحقيقة التي تتمثل في كيانه بذاتها من غير كدّ ولا محاولة، وبلا أداة أو واسطة، وهي درجة من الإيمان لا مجال لوصفها، فلا يصفها إلا من ذاقها, ولا يدركها من الوصف -على حقيقتها- إلا من ذاقها كذلك!
فهذا الإيمان -إيمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يكرم الله عباده المؤمنين فيجمعهم في الوصف مع الرسول الكريم، على فارق ما بين مذاقه في كيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطبيعة الحال وكيان أي سواه، ممن لم يتلقّ الحقيقة من مولاه!