إنه الإيمان الشامل الكامل الذي جاء به (الدّين القيّم) .. الإيمان الذي يليق بهذه الأمّة الوارثة لدين الله، القائمة على دعوته في الأرض إلى يوم القيامة، الضاربة الجذور في أعماق الزمان، السائرة في موكب الدعوة في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وموكب الإيمان الممتد في شعاب التاريخ البشري!
وهذا الإيمان قاعدة التصوّر، وقاعدة المنهج الذي يحكم الحياة، وقاعدة الخُلق، وقاعدة الاقتصاد، وقاعدة كل حركة يتحركها المؤمن هنا أو هناك!
والإيمان بالملائكة شأنه شأن الإيمان بالحقائق الغيبيّة المستيقنة التي جاءت من عند الله .. وهو يوسع آفاق الشعور الإنساني بالوجود، فلا تنكمش صورة الكون في تصوّر المؤمن حتى تقتصر على ما تدركه حواسه، وهو ضئيل، كما أنه يؤنس قلبه بهذه الأرواح المؤمنة من حوله، تشاركه إيمانه بربّه، وتستغفر له، وتكون في عونه على الخير بإذن الله، وهو شعور لطيف ندي مؤنس ولا شك .. ثم هناك المعرفة بهذه الحقيقة، وهي في ذاتها فضل يمنحه الله للمؤمنين به وبملائكته!
والإيمان بكتب الله ورسله بدون تفرقة بين أحد من رسله هو المقتضى الطبيعي الذي ينبثق من الإيمان بالله في الصورة التي يرسمها، فالإيمان يقتضي الاعتقاد بصحة كل ما جاء من عند الله، وصدق كل الرسل الذين بعثهم الله، ووحدة الأصل الذي تقوم عليه رسالتهم، وتتضمّنه الكتب التي نزلت عليهم!
ومن ثم لا تقوم التفرقة بين الرسل في ضمير المسلم؛ فكلهم جاء من عند الله بالإِسلام، في صورة من الصور المناسبة لحال القوم الذين أرسل إليهم، وكلهم مسلمون!