للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمتي أمتي"! وبكى، فقال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: يا جبريل! اذهب إِلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يُبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله - فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال: وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إِلى محمد فقل: إِنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك (١)!

أرأيت كيف بكى الرسول - صلى الله عليه وسلم - شفقة علينا، ورحمة بنا؟!

أرأيت هذه العبرات التي تعجز الكلمات عن تصويرها إلا بعبرات وعبرات، ولكن أنى لنا بعبرات تقترب مجرد اقتراب من بكاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو لنا!

هنا يحق لنا أن ندرس سيرته للتأسي به - صلى الله عليه وسلم - .. ولكن ما كان لنا أن نقف عند هذا الحدّ مع عظمته .. فلنتقدّم إلى الأمام، إلى الناحية الإيجابيّة، إلى التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - .. فهناك الكثيرون ممن يتشدّقون بالحبّ، وقد تتساقط دموعهم، حتى وهم ينحرفون بهذا الحب إلى لون من التقديس!

ذلك أنه حب عاطفي سلبي وكفى، لا صدى له في واقع الحياة والسلوك!

إن صورة الحبّ في قلوب هؤلاء لتعاني عزلة وجدانيّة عميقة، كما تعاني بُعداً في السلوك والفهم والإدراك؛ لأنها صورة منعزلة في الوجدان .. وليست صورة حيّة متحرّكة في واقع الحياة، شاخصة في سلوك أصحابها وأفكارهم ومشاعرهم وخواطرهم وماديّاتهم وروحانيّاتهم على سواء!

ولا شك أن لهذه العزلة أسباباً ترجع في جملتها إلى واقعنا كأمة تعيش كما نرى ونشاهد ونعايش! لا كما عاش السلف الصالح، حكماً وتشريعاً، ودستوراً ونظاماً، حيث كانت الأسوة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - طابع الأمة، وحيث كانت الأمة تحسّ


(١) مسلم: ١ - الإيمان (٢٠٢)، والطبري: التفسير: ١٣: ٢٢٩، وابن منده: الإيمان (٩٢٤)، والبيهقي: الأسماء والصفات: ٢: ٣٤١ - ٣٤٢، والبغوي (٤٣٣٧) وابن حبان (٧٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>