بيد أنها عجزت -وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطراباً- أن تحدث حديثاً واحداً في نصوص هذا الكتاب المحفوظ، وبقيت نصوصه كما أنزلها الله، حجة باقية على كل محرّف وكل مخرّف وكل مؤول، وحجة باقية كذلك على ربانيّة هذا الذكر المحفوظ!
ثم جاء على المسلمين زمان -ما نزال نعانيه- ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم، وعن حماية عقيدتهم، وعن حماية نظامهم، وعن حماية أرضهم، وعن حماية أعراضهم وأخلاقهم، وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم!
وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم، وأحلوا مكانه كل منكر فيهم .. كل منكر من العقائد والتصورات، ومن القيم والموازين، ومن الأخلاق والعادات، ومن الأنظمة والقوانين .. وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص (الإنسان) وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان، وأحياناً إلى حياة دون حياة الحيوان .. ووضعوا لهم الشر كله تحت عناوين براقة من (التقدم)، و (التجديد) إلى آخر تلك الشعارات والعناوين، وأصبح البعض غثاء كغثاء السيل، لا يمنع ولا يدفع، ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقوداً للنار، وهو وقود هزيل!
ولكن أعداء هذا الدين -بعد هذا كله- لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها, ولم يكونوا في هذا من الزاهدين، فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان في مقدورهم، وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تُنال!
ولقد بذل أعداء هذا الدين -وفي مقدمتهم اليهود- رصيدهم من تجارب أربعمائة وألف سنة أو تزيد في الكيد لهذا الدين، وقدروا على أشياء كثيرة ..