والمدنيّة، وكانت بمعزل عن جادة قافلة الحضارة الإنسانية بعيدة عنها، وأطبق عليها ليل حالك، وازداد هذا الليل ظلاماً وسواداً!
ولم يكن اليهود عاملاً من عوامل الدين يؤثر في غيرهم، بل قُضي عليهم منذ قرون طويلة أن يكونوا مصدر بلاءً وشقاء، وقد أورثهم تاريخهم وما تفردوا به من أمم الأرض من العنصريّة والجشع، والأنانيّة والطمع، نفسيّة غريبة، لم توجد في أمة من الأمم، وانفردوا بخصائص خلقيّة كانت لهم شعاراً على تعاقب الأحوال والأجيال، منها الخنوع عند الضعف، والبطش وسوء السيرة عند الغلبة، والختل والنفاق في عامة الأحوال، والقسوة والأثرة، وأكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله!
ونجد فارس التي شاطرت الروم في حكم العالم آنذاك، ونبصر أخلافاً هدّهم الغلول والطمع، والانحراف والجشع، ونرى أساس الأخلاق مضطرباً مائجاً منذ عهد عريق في القدم، لدرجة أن (يزدجرد الثاني) الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلادي تزوج بنته ثم قتلها، وأن (بهرام جويين) الذي تملك في القرن السادس كان متزوجاً بأخته (١)، وكان تقديس الأكاسرة مظهراً من المظاهر العامة؛ لأنهم كانوا يدّعون أن دماً إلهيًّا يجري في عروقهم!
أما الهند فقد اتفقت كلمة المؤرخين في تاريخها على أن أحط أدوارها عقيدة وخلقاً واجتماعاً ذلك العهد الذي يبتدئ من مستهل القرن السادس الميلادي، فقد ساهمت الهند جاراتها وشقيقاتها في التدهور الخلقي والاجتماعي، الذي شمل الكرة الأرضيّة في هذه الحقبة من الزمن، وأخذت نصيباً غير منقوص من
(١) انظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: ٤٧ وما بعدها، وتاريخ الطبري: ٣: ١٣٨.