للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (أحمد) الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين -وهو (أحمد) - على كونه محموداً. ودل الاسم الثاني -وهو (أحمد) - على كونه أحمد الحامدين لربه. وهذا هو القياس؛ فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل، لا من فعل المفعول، ذهاباً إلى أنهما إنما يصاغان من الفعل اللازم لا المتعدي، ونازعهم آخرون وجوزوا بناءهما من الفعل الواقع على المفعول، لقول العرب: (ما أشغله بالشيء)!

إلى أن قال: والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - سُمِّي (محمَّداً) و (أحمد)؛ لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره، وأفضل مما يحمد غيره، فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا هو المختار. وذلك أبلغ في مدحه، وأتم معنى. ولو أريد به اسم الفاعل لسمي (الحماد) وهو كثير الحمد، كما سمي (محمداً)، وهو المحمود كثيراً، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر الخلق حمداً لربه. فلو كان اسمه باعتبار الفاعل، لكان الأولى أن يسمى (حمادًا)، كما أن اسم أمته (الحمادون). وأيضاً فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى (محمّداً) و (أحمد)، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السموات والأرض. فلكثرة خصائله التي تفوت عد العادين سمي باسمن من أسماء الحمد، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة) (١)!

تلك أشهر أسماء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، جمعها الحافظان: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم بن عساكر، وأفرد الناس في


(١) تفسير القاسمي: ١٦: ٥٧٨٩ - ٥٧٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>