إنها المعركة الوحشيّة الضارية يخوضها أهل الكتاب مع هذا (الدّين القيم)، الذي بشّروا به وبنبيّه منذ ذلك الأمد البعيد، ولكنهم تلقوه هذا التلقي اللئيم الخبيث العنيد!
وقبل أن يمضي السياق إلى مشهد جديد، يقف عند هذا البلاغ المبكر، يوجه الخطاب إلى خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -، يأمره بإعلان الدعوة إلى الناس جميعاً، تصديقاً لوعد الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)}!
إنها الرسالة الأخيرة، فهي الرسالة الشاملة، التي لا تختص بقوم دون قوم، ولا أرض دون أرض، ولا جيل دون جيل، ولا قبيل دون قبيل!
ولقد كانت الرسالات قبلها رسالات محليّة قوميّة محدودة بفترة من الزمان -ما بين عهدي رسولين- وكانت البشرية تخطو على هدي هذه الرسالات خطوات محدودة، تأهيلاً للرسالة الأخيرة، وكانت كل رسالة تتضمن ما يناسب تدرج الشريعة، حتى إذا جاءت الرسالة الأخيرة جاءت كاملة في أصولها، قابلة للتطبيق المتجدد في فروعها، وجاءت للبشر جميعاً، في كل جيل وفي كل قبيل، وفي كل عصر، وفي كل مصر، وفي كل زمان، وفي كل مكان .. وجاءت وفق الفطرة الإنسانية التي يلتقي عندها الناس جميعاً، ومن ثم حملها النبي الأمي الذي لم يدخل على فطرته الصافية -كما خرجت من يد الحق- إلا تعليم الله، فلم تَشُبْ هذه الفطرة شائبة من تعاليم الأرض ومن أفكار الناس! ليحمل رسالة الفطرة إلى فطرة الناس جميعاً: