وهذه الآية التي يؤمر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يواجه برسالته الناس جميعاً، هي آية مكيّة في سورة مكيّة، وهي تُجبه المزوّرين من أهل الكتاب، الذين يزعمون أن خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يفكّر وهو في مكة أن يمد بصره برسالته إلى غير أهلها، وأنه إنما بدأ يفكّر في أن يتجاوز بها قريشًا، ثم يتجاوز بها العرب إلى دعوة أهل الكتاب، ثم يجاوز بها الجزيرة العربيّة إلى ما وراءها، كل أولئك بعد أن أغراه النجاح الذي ساقته إليه الظروف!
وإن هي إلا فرية من ذيول الحرب التي شنّوها قديماً على هذا الدّين وأهله، وما يزالون ماضين فيها!
وليست البليّة في أن يرصد أهل الكتاب كيدهم لهذا الدّين وأهله، وأن يكون المستشرقون الذين يكتبون مثل هذا الكذب هم طليعة الهجوم على هذا الدّين وأهله، إنما البليّة الكبرى أن كثيراً من السذج الأغرار من أبناء جلدتنا، الذين يتكلمون بألسنتنا، يتخذون من هؤلاء المزوّرين على أنبيائهم، المحاربين لعقيدتهم، أساتذة لهم، يتلقون عنهم في هذا الدّين نفسه، ويستشهدون بما يكتبونه عن تاريخ هذا الدّين وحقائقه، ثم يزعم هؤلاء السذّج الأغرار لأنفسهم أنهم مثقفون!
ونعود إلى السياق القرآني بعد تكليف الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن رسالته للناس جميعاً، فنجد بقيّة التكليف في تعريف الناس بربّهم الحق - جل شأنه -:
إنه - صلى الله عليه وسلم - رسول للناس جميعاً من ربّهم الذي يملك هذا الوجود كله، وهم من هذا الوجود، والذي يتفرّد بالألوهية وحده، فالكل له عبيد، والذي تتجلّى قدرته وألوهيّته في أنه الذي يحيي ويميت!