للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لا تخافوا الضيعة، فإِن هاهنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإِن الله لا يضيِّع أهله" (١)!

وعلينا أن نتصور هاجر ومعها طفلها, ولا أنيس ولا جليس، ونتصور نفس الكلمات التي قالتها، حين أراد إبراهيم أن يرجع، ويتركها وطفلها في هذا الوادي، وقد علمت أن ذلك بأمر الله تعالى .. ومن ثم فإن شدة الموقف التي تعجز الكلمات عن تصويرها لا وجود لها ما دام الأمر من الله، والله لا يضيع أهله!

أجل، يا أم إسماعيل: لن يضيّعكما الله، وفي صلب وليدك وديعة الوجود، وهداية السماء إلى الحياة بمن فيها وما فيها!

أجل، يا أم إسماعيل: إن الله تعالى سيجدّد بوليدك صادق الوعد ديباجة الحياة، وسيخلع عليها من جلابيب الفيض السماوي ما يحوّل ظلامها نوراً، وجبالها مآذن، وهضابها منابر للهداية، ووديانها مساجد يتعبّد في محاريبها الموّحدون، وآفاقها مراتع للحريّة الإنسانيّة، يرتفع في مسارحها المؤمنون بقداسة الحياة، وتتفلّق صخورها عن سر الأسرار في هذا الوجود .. عن النور المخبوء في مشكاة كنز الغيب، عن كلمة الحق وأمانته!

صبراً يا أم إسماعيل، إن إبراهيم - عليه السلام - خليل الله، وله مع ربّه مناجاة، وفي المناجاة أسرار وأسرار، وفي المصافاة أضواء وأنوار، سوف تتفجّر عنها رمال الحياة، كما انفجرت عن زمزم رمال الصحراء!

أجل، يا أم إسماعيل، لقد جيء بك وبوليدك إلى هنا لتؤديا أمانة الله إلى


(١) البخاري: ٦٠ - الأنبياء (٣٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>