للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الوليد الذي جاء به إلى هنا وحيداً إلا من أمّه الراضية الوالهة، استجابة لأمر الله تعالى .. ولمّا يعلم الخليل ما كتبه قلم القدر الحكيم في لوح الكون من أسرار تحجبها رمال الصحراء في هذا الوادي .. ولكن إلهام (الخُلّة) في وحي النبوة ألْقَى إليه كلمة الله في رسالة التوحيد .. تلك الرسالة التي حاف عليها تاريخ المجتمع البشري، فلم تجد له في تراثه إلا سمَّ الخياط منفذاً تَنْسرب منه، متسلّلة في مسارب الحياة!

وكانت هذه الضراعة الداعية دعوة عامة، تستهدف الاستقرار والأمن, وجلب الرزق لذرية إسماعيل، وتبرز ما استسر وراء سجُف الغيب من تجليّات وأحداث تجعل من إسماعيل دوحةً تُلقي بظلال أفنانها على جنبات الوادي الأجرد، فتُحيله حياة حيّة خالدة، تهوي إليه الأفئدة من أطراف الأرض، هائمة وَالهةً بحب الحقيقة الكبرى في رمزها العظيم (الكعبة المشرفة)!

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)} [الحج]!

واستجاب إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - لأمر الله، وطهّرا بيت ربّهما الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً!

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)} [البقرة]!

طهّراه من رجس الوثنيّة التي أثقلت كاهل التاريخ على طول مسيرته في حياة المجتمع البشري، ونادى إبراهيم في الناس بالحج إلى بيت الله، وأبلغ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>