للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتكفير له (١)، وقيام كقيام العباد أمام الرب في الصلوات، وهو تصوير حال كانت عليه إيران الساسانية في عهد أفضل ملوكها بالإطلاق، وهو (كسرى الأول المعروف بأنوشروان العادل ٥٣١ - ٥٧٩) فكيف في عهد الملوك الذين اشتهروا في التاريخ بالظلم والعسف والجبروت؟!

وقد كانت حريّة إبداء الرأي والملاحظة فضلاً عن النقد مفقودة تقريباً في المملكة الإيرانيّة الواسعة، وقد حكى الطبري حكايته طريفة عن عهد أفضل ملوكها وأعدلهم (كسرى أنوشروان العادل) تدل كل الدلالة على مدى ما وصل إليه الحكم الإيراني من الاستبداد والحظر على إبداء الرأي الحر، والتعليق الجريء، في البلاد الإيراني، يقول الطبري:

(أمر الملك قباذ بن فيروز في آخر ملكه بمسح الأرض سهلها وجبلها, ليضع الخراج عليها، فمسحت، غير أن قباذ هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة، حتى إذا ملك ابنه كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون والجماجم، ثم أمر كتابه فاستخرجوا جعل ذلك، وأذن للناس إذناً عاماً، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليه الجعل التي استخرجت من أصناف غلات الأرض وعدد النخيل والزيتون والجماجم، فقرأ ذلك عليهم، ثم قال لهم كسرى: إنا


(١) كفر له: خضع، بأن يضع يده على صدره، ويطأطئ رأسه ويتطامن تعظيماً، وكانت عادة متبعة في إيران، ومن هنا شاع هذا التعبير، ودخل في لغة العرب، جاء في لسان العرب (كفر): والكفر: تعظيم الفارسي لملكه: والتكفير لأهل الكتاب: أن يطأطئ أحدهم رأسه لصاحبه، كالتسليم عندنا، وقال في شرح قول جرير:
وإِذا سمعت بحرب قيس بعدها ... فضعوا السلاح وكفروا تكفيراً
يقول: ضعوا سلاحكم فلستم قادرين على حرب قيس، لعجزكم عن قتالهم، فكفّروا لهم كما يكفّر العبد لمولاه، وكما يكفَر العلج للدهقان، يضع يده على صدره، ويتطامن له، واخضعوا وانقادوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>