قد رأينا أن نضع على ما أحصي من جريان هذه الساحة من النخل والزيتون والجماجم وصنائع، ونأمر بإنجامها في السنة في ثلاثة أنجم، ونجمع في بيوت أموالنا من الأموال، ما لو أتانا من ثغر من ثغورنا أو طرف من أطرافنا فتق أو شيء نكرهه، واحتجنا إلى تداركه أو حسمه، ببذله فيه مالاً كانت الأموال عندنا معدة موجودة، ولم نرد استئناف اجتبائها على تلك الحال، فما ترون فيما رأينا من ذلك، وأجمعنا عليه؟ فلم يشر عليه أحد منهم بمشورة، ولم ينبس بكلمة، فكرر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات، فقام رجل من عرضهم وقال لكسرى: أتضع أيها الملك -عمرك الله- الخالد من هذا الخراج على الفاني من كرم يموت، وزرع يهيج، ونهر يفور، وعين أو قنا ينقطع ماؤها؟
فقال له كسرى: يا ذا الكلفة المشؤوم! من أي طبقات الناس أنت؟ قال: أنا رجل من الكتاب، فقال كسرى: اضربوه بالدّويّ حتى يموت، فضربه به الكتَّاب خاصة، تبرؤوا إلى كسرى من رأيه وما جاء منه، حتى قتلوه، وقال الناس: نحن راضون (١)!
ولم يكن الرومان يختلفون عن الإيرانيّين كثيراً، وإن لم يبلغوا شأوهم في الوقاحة وامتهان الإنسانيّة وإهدار كرامتها، فقد روى المؤرخ الأوروبي: ...... في كتابه (العالم الروماني) ما ترجمته:
(كانت القياصرة آلهة، ولم يكن ذلك عن طريق الوراثة، بل كان كل من تملك زمام البلاد كان إلهاً، وإن لم تكن هناك أمارة تدل على وصوله إلى هذه الدرجة، ولم يكن لقب (أغسطس) الملوكي المفخم ينتقل من إمبراطور إلى إمبراطور بموجب دستور أو قانون، ولكن لم يكن من شغل مجلس الشيوخ
(١) تاريخ الطبري: ٢: ١٢١ - ١٢٢، وانظر: إيران في عهد الساسانيين.