للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قورن هذا بما اعتاده العرب من الحريّة، وعزة النفس، والاقتصاد في التعظيم والأدب قبل ظهور الإسلام، ظهر فرق هائل بين طبيعة الأمتين: ووضع المجتمعين: العجمي، والعربي، فكانوا يخاطبون ملوكهم بقولهم:

(أبيت اللعن) و (عم صباحاً)، وقد بلغت هذه الحريّة وبلغ ذلك الاحتفاظ بالكرامة بالعرب إلى أنهم كانوا يمتنعون في بعض الأحيان عن الخضوع لمطالب بعض الملوك والأمراء (١)!

ولما دخل المغيرة بن شعبة رسول المسلمين على رستم، وهو في أبّهته وسلطانه، جلس معه -على عادة العرب- على سريره ووسادته، فوثبوا عليه، وأنزلوه، فقال: (كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء، لا يستعبد بعضنا بعضاً، إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم، ولكن دعوتموني) (٢)!

ومن ثم كانت الجزيرة العربيّة مهد النبوات -كما أسلفنا-، وكانت مهجر المضطهدين الذين حلّ بهم الأذى، ونزل بهم سوء العذاب!

ومعلوم أن الرسالة أمرها هائل خطير -كما عرفنا-، أمر كوني تتصل فيه الإرادة الأزليّة الأبديّة بحركة عبد مصطفى، ويتصل فيه الملأ الأعلى بعالم الإنسان المحدود، وتتصل فيه السماء بالأرض، والدنيا بالآخرة، ويتمثل فيه الحق الكلي، في قلب البشر، وفي واقع الحياة!


(١) انظر: كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة: ٣٦.
(٢) الطبري: ٤: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>